أظهر الوباء العالمي المسمى " فيروس كورونا " (كوفيد-19) مرة أخرى حدود السلطة غير الشرعية، والشرخ الواسع و عدم الثقة واليأس المتنامي في شعور المواطنين اتجاه ما يصدر عن هذه السلطة، فخطورة هذا الوباء يوازي حجم عدم الثقة اتجاه السلطة غير الشرعية.
فلم تتمكن السلطة الجزائرية، حتى في وسط أزمة صحية عالمية، من تجنيد الشعب للانخراط في مخططها للوقاية من الوباء وتسيير الأزمة الصحية.
في اللحظة التي أكتب فيها هذا المقال، تم تسجيل رسميا في الجزائر 54 حالة مصابة بالفيروس، من بينها 4 وفيات. ونظرا للانتشار الاستثنائي لهذه العدوى، فإن أسبوعين يكفيان لوصول عدد المصابين إلى الآلاف، وحالة واحدة عن كل ستة حالات ستصاب بصعوبات في التنفس يترتب عنها، في اغلب الأحيان، الوفاة بالنسبة للأشخاص المسنين والضعفاء.
ونظرا لضعف منظوماتنا الصحية ( والذي هو نتاج نفس هذا النظام السياسي) يصبح تخفيف حدة انتشار هذا المرض هو السبيل الوحيد.
ونظرا لكون العلاقة بين الشعب الجزائري وسلطته قد تم قطعها نهائيا، فإنه على الحراك اتخاذ، بشكل مستعجل، قرارات ضرورية لمجابهة هذا الوباء. فروح الحراك تكمن في تغليب العقل والكفاءة والعدالة في تسيير الشؤون العمومية، وهذه الروح تتطلب اليوم الحفاظ على حياة مواطنينا من الآثار المميتة لعدوى غير متحكم فيها.
فتجميد الحراك لأسبوعين سيقلص انتشار هذا المرض وينقذ لا محالة عدد من الأرواح، وهذا التعليق المؤقت سيبرز مرة أخرى نضج هذا الحراك الشعبي غير المسبوق.
من جهة أخرى، على السلطة أن تعتبر هذا التعليق مجرد هدنة، ولا تسعى لاستغلال هذه الأزمة الصحية لتقويض أو إضعاف الحراك أو منع استئنافه لاحقا، بل عليها بالمقابل اتخاذ قرارات ضرورية لتسهيل مشاركة الشعب في أعمال الوقاية.
فمسؤولية الحكومة هي أيضا في اتخاذ التدابير الاستعجالية الآتية:
ــ ضمان التموين الكافي للمعدات الضرورية لمواجهة الضائقة التنفسية، السبب الرئيسي للوفيات بسبب فيروس كورونا.
ــ توسيع المساحات المخصصة للمرضى الذين يعانون من مضاعفات تنفسية، لاسيما وأن عدد مرضى السكري وضغط الدم في الجزائر سيؤدي إلى تزايد عدد الحالات التي تحتاج إلى عناية فائقة.
ــ الرفع من قدرات الفحص المبكر للمرض بوضع تحت تصرف المصالح الطبية لأجهزة التشخيص الضرورية.
ــ تجميد الرحلات الجوية من البلدان التي انتشر فيها هذا الوباء، وتخصيص رحالات خاصة لنقل الجزائريين العالقين في هذه البلدان مع ضرورة وضعهم تحت الحجر لمدة أسبوعين.
كما أود لفت انتباه مواطنينا حول التضليل الإعلامي المنتشر في الانترنيت حول هذا الوباء، فلا وجود لحد اليوم لتلقيح أو دواء خارق أو عشبة تقليدية تقي من العدوى، فالطريقة الوحيدة للوقاية من أي وباء هو تفادي التجمعات وتقليص التنقلات واعتماد سلوكات صحية ضرورية.
على الحراك، مثلما يسجل يوميا نجاحات في معركته السياسية مع النظام، أن يعرف كيف ينجح كذلك في امتحانه مع هذا الوباء، سيكتب التاريخ يوما أن إصرار الحراك هو من أنقذ الجزائر من نظام فاسد بلي، كما أنه عرف كيف ينقذ المواطنين، في الوقت المناسب، من وباء عالمي كاد أن يفتك بمكاسبه السياسية والاجتماعية والاقتصادية... .