تلخص أحداث الأيام القليلة الماضية بالضبط الوضع الذي يواجهه الشعب الجزائري، فمن جهة اعتمد البرلمان الأوروبي، سواء عن جهل أو بتواطؤ، توصية قدمت خدمة مهمة للنظام الجزائري، حيث كان هذا الأخير على استعداد لاستغلال شبح التدخل الأجنبي قصد محاولة تعبئة حشوده المعتادة لصالح إجراء الانتخابات الرئاسية.
من جهة أخرى، يطلّ علينا وزير في الحكومة الجزائرية ليقوم، علنا وبألفاظ نابية، بإهانة الشّعب الجزائريّ، وهذا ينمّ عن عدم صحّة عقول الّذين يحكموننا، ليبقى الشّعب الجزائريّ رهينة بين القوى الأجنبيّة المتلهّفة للإبقاء على الوضع الراهن خدمة لمصالحها، و نظام بليّ يفتقد لأيّ أخلاق أو رجاحة عقل.
إن هدف النظام من الانتخابات الرئاسيّة المقبلة لا يكمن في استرجاع الشرعيّة التي تأكد فقدانها نهائيا، إنما يريد، بدرجة أولى، اتخاذها كذريعة للإبقاء على الدعم الخارجي له، وكذا محاولة نشر الشعور بالقدر المحتوم، و الشعور بالهزيمة ضمن المتظاهرين، من خلال محاولة إقناعهم بأن هناك قبل وبعد 12 ديسمبر 2019، لينسيهم أن هناك قبل وبعد 22 فيفري.
لذلك تعتبر الانتخابات الرئاسيّة المقرّرة في 12 ديسمبر بأنّها لا حدث، سواء تمت أم لم تتم، وسواء كانت نسبة المشاركة المعلنة 5% أو ضُخّمت إلى 99% ، وسواء كان الفائز المعلن من حزب جبهة التحرير أو من التجمع الوطني الديمقراطي، أو أن يحاول الرئيس الجديد، في اليوم التالي لانتخابه، بأن يظهر في ثوب البطل، من خلال العفو على سجناء الرأي أو إحالة بعض المسؤولين الذين رفضهم الشعب إلى التقاعد، كل هذا ليس له أيّ أهميّة بالنسبة للشّعب الجزائريّ. النتيجة الوحيدة المفيدة للشّعب الجزائري، من خلال هذه الانتخابات، هي كشفها بشكل نهائي بأنّ النظام الحالي غير قادر على أن يكون جزء من الحل، وأنه ينبغي على القوى الوطنيّة وقوى الحريّة، من الآن فصاعدا، أن تتّبع نهجا سياسيّا خارجا عن مخطّط و رزنامة النظام.
في الوقت الذي تتجه كل اهتماماتنا إلى الأزمة السياسيّة، نشاهد بقلق شديد توجه الجزائر تدريجيا نحو أزمة اقتصاديّة خطيرة. ومن السذاجة الاعتقاد بأنّ الانتخاب الجبريّ على رئيس للدولة سيغيّر من الوضع الحالي للاقتصاد الجزائريّ. فالأزمات الاقتصاديّة ما هي في الغالب إلا أعراض لأزمة ثقة خطيرة، وبالتالي لا يمكن إيجاد حلول لها دون انضمام الشعب. إن الجزائر في أزمة حكامة لم يسبق لها مثيل، وحلّها لا يكون إلا بتغيير النظام أو الوقوع في إفلاس تدريجيّ للدولة من طرف سلطة غير شرعيّة، وأمثلة كثيرة ليست ببعيدة عن هذا المصير الذي أصاب بعض الدول.
يواصل الشّعب الجزائريّ القيام بدوره بشكل كامل وعلى نحو رائع من خلال استغلال الأماكن العمومية بطريقة سلميّة وحضاريّة. وأمام ضرورة استرجاع المبادرة السياسيّة، وبدل من الاستمرار في الردّ على تصريحات واستفزازات النظام، فإني أنادي كل قوى المجتمع المدنيّ وكل القوى السياسيّة الوطنيّة للانخراط في نهج سياسيّ بعيد عن نهج و رزنامة النظام. كما أضمّ صوتي لكل الذين ينادون لوضع أرضيّة رئاسيّة جامعة قائمة على قيّم مشتركة وآمال يتقاسمها الشعب الجزائري، دون أيّ توجه إيديولوجي. فهناك حيّز مشترك بين كل الجزائريين، سواء كان علمانيا أو إسلاميا، محافظا أو تقدميا، ليبراليا أو اشتراكيا. هذا الحد الأدنى من المبادئ المشتركة والقيّم المتقاسمة ستشكل ورقة طريق مهمّة لكل هيئة أو شخصّية مكلّفة بقيادة مرحلة الانتقال الديمقراطيّ نحو أوّل جمهوريّة حقيقيّة ذات سيادة و رخاء.
إن النخبة الجزائريّة، أينما وجدت، فهي مستعدّة للمساهمة في بناء هذا التوافق الوطني ووضع مهاراتهم في خدمة الشّعب الجزائريّ، وإني على ثقة قويّة بأنّ هذه الثورة السياسيّة، إذا استمرت في إصرارها وفي وحدتها وسلميّتها، ستؤدي ليس فقط إلى تحرير كامل للشّعب، إنما ستضع الجزائر نهائيّا في طريق الثورة الاقتصاديّة والعلميّة والثقافيّة.