كيف يمكننا تفادي الفراغ المؤسّساتي في الأزمة السياسيّة الجزائريّة ؟
كيف يمكننا تفادي الفراغ المؤسّساتي في الأزمة السياسيّة الجزائريّة ؟
د. عباس فريد أستاذ محاضر، كلية الحقوق، جامعة بومرداس
الآن و قد ثبت عدم جدوى الاستمرار في تنظيم الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها يوم 4 جويلية 2019، يصبح الفراغ الدستوري وكذا المرحلة الانتقاليّة السياسيّة حتميّة لا مفر منهما، وإن كان يمكننا تفادي الفراغ المؤسّساتي.
أولا: حتميّة الفراغ الدستوريّ والمرحلة الانتقاليّة السياسيّة
جاءت الانتخابات الرئاسية المقرّر إجراؤها في 4 جويلية القادم لتتوّج المرحلة الانتقالية الدستورية والناتجة عن تفعيل نص المادة 102 من الدستور، وحدّدت هذه المادة فترة هذه المرحلة ب 90 يوما، وهي الفترة المحددة لتولي رئيس مجلس الأمة " بن صالح" رئاسة الدولة. وحسب ما جاء في الفقرة 6 من المادة 102 لا يجوز أن يتجاوز رئيس الدولة هذه الفترة: " يتولى رئيس مجلس الأمة مهام رئيس الدولة لمدة أقصاها تسعون (90) يوما، تنظم خلالها انتخابات رئاسية".
إذا كان الهدف الأساسي من الفترة الرئاسية لــ"بن صالح" هو تنظيم انتخابات رئاسية، فإنها فترة مقيّدة بـ 90 يوما، وغير مرتبطة بالمدة التي تقتضيها تنظيم هذه الانتخابات مهما طالت.
لذلك يقتضي على رئيس الدولة أن يسعى إلى تنظيم هذه الانتخابات خلال هذه الفترة دون تجاوزها، ولا يوجد أي نص دستوري يتعرض إلى حالة عدم التمكن من تنظيمها في آجالها، حيث لا توجد أي آلية دستورية تسمح بتأجيل الانتخابات أو تمديد فترة رئاسة الدولة لما بعد 90 يوما، مما يعني أننا أمام حالة الفراغ الدستوري، وما يترتب عنه من حتمية اللجوء لمرحلة انتقالية سياسية.
يمكن أن تكون المرحلة الانتقالية السياسية هي مفتاح الحل الجذري للأزمة إذا ما اكتست الشرعيّة الشعبيّة وتوفرت هناك إرادة سياسيّة حقيقيّة وصادقة لدى جميع الأطراف، وأحسن استغلالها في خدمة أهداف الثورة الشعبيّة السلميّة.
ثانيا: إجراءات تفادي الفراغ المؤسّساتي
يقتضي أن يقوم المجلس الدستور، قبل 5 جوان 2019، بالتصريح بعدم جدوى تنظيم الانتخابات الرئاسية المقررة لـ 4 جويلية، وأن ذلك يترتب عنه فراغ دستوري، كما عليه التصريح في نفس الوقت بالإجراء الواجب اتخاذه لضمان استمرارية الدولة والعمل على توفير الشروط الضرورية للسير العادي للمؤسسات وتكريس المبادئ الدستورية، لاسيما المادتين 7 و8.
لا يجوز لهذا المجلس التصريح بتمديد فترة رئاسة "بن صالح" لمخالفة ذلك للمادة 102 من الدستور، كما أنه لا جدوى، من الناحية السياسية، الإصرار على تنظيم الانتخابات بنفس رموز النظام، وذلك حتى لا ندور في حلقة مفرغة.
فالإجراء الفاعل والحاسم الذي يمكن للمجلس الدستوري أن يصرح باتخاذه هو إنشاء هيئة سياسية انتقالية تتكون من شخصيات وطنية ذات مصداقية يتم تزكيتها من قبل الشعب بموجب استفتاء ينظم يوم 4 جويلية 2019.
يتم إخطار رئيس الدولة بذلك والذي يتكفل بتجسيد هذا الإجراء، حيث تستمر مهمة" بن صالح" إلى غاية تنصيب هذا المجلس الانتقالي السيّد، لتفادي الفراغ المؤسساتي.
ولا يمكن لهذا الاستفتاء أن ينجح في هذه الظروف وبهذه المؤسسات القائمة إلا إذا كانت هذه الهيئة تضم شخصيات وطنية ذات مصداقية ومقبولة لدى الشعب، ونظرا لصعوبة حصول كل شخصية على حدا على إجماع أو توافق فإن التزكية تتم على القائمة الاسمية.
إن الاحتكام إلى خيار الاستفتاء أو التزكية الشعبية للشخصيات التي تشكل الهيئة الانتقالية، هو الخيار الصحيح الذي يجسد حقيقة المبادئ الدستورية التي تضمنتها المادتين 7 و8، وهو ما يمثل عامل استقرار في هذه المرحلة، حيث يضفي الشرعية اللازمة على هذه الهيئة للاضطلاع بمهامها باعتبارها ممثلة للسّيادة الشعبيّة، سواء داخليا أو خارجيا.
تتكفل هذه الهيئة الانتقالية باتخاذ ما تراه مناسبا من إجراءات قصد توفير الضمانات الكفيلة بحماية اختيار الشعب وإرادته، كخطوة أولى نحو التحقيق التدريجي لكل مطالبه المشروعة، ونقترح في هذا الإطار خيارين يمكن لهذه الهيئة اعتماد احدهما:
الخيار الأول: خريطة طريق لانتخاب رئيس جمهورية نابع حقيقة عن الإرادة الشعبية: (لا تتجاوز فترة تجسيدها 6 أشهر).باعتبارها اللبنة الأولى لتغيير النظام، مع إرجاء المطالب الشعبية الأخرى إلى ما بعد الرئاسيات، يتكفل بها رئيس الجمهورية المنتخب تجسيدا لبرنامجه الانتخابي.
تقوم الهيئة الانتقالية التي زكاها الشعب بتشكيل حكومة كفاءات ومجلس دستوري بتشكيلة جديدة وتنصيب لجنة مستقلة للانتخابات بجميع الصلاحيات المرتبطة بالعملية، ثم بعدها تنظم انتخابات رئاسية.
الخيار الثاني: خريطة طريق لتغيير النظام ووضع أسس وركائز الجمهورية الجزائرية الجديدة قبل تنظيم الانتخابات الرئاسية (لا تتجاوز فترة تجسيدها 12شهرا) :
بعد قيام الهيئة الانتقالية التي زكاها الشعب بتشكيل حكومة كفاءات ومجلس دستوري بتشكيلة جديدة، تبادر بفتح حوار وطني شامل ودون إقصاء، ينتج عنه تشكيل هيئة مستقلة للانتخابات وإجراء التعديلات على الدستور وقانون الانتخابات وقانون الأحزاب. يتم عرض التعديلات الدستورية على الاستفتاء الشعبي قبل تنظيم الانتخابات الرئاسية.