كيف تمكنت المادة 102 من الدستور من إطالة الأزمة السياسية والسبيل للخروج منها
كيف تمكنت المادة 102 من الدستور من إطالة الأزمة السياسية والسبيل للخروج منها؟
د. عباس فريد أستاذ محاضر، كلية الحقوق، جامعة بومرداس
إن الأزمة التي تمر بها الجزائر اليوم أكثر تعقيد مما يمكن أن نتصوره، فالإشكال ليس في الإجابة عن سؤال " ماذا نريد؟" أي ما هي الحلول الدستورية أو السياسية التي من شأنها الاستجابة للمطالب الشعبية، إنما في الإجابة عن سؤال " كيف ؟" أي ما هي السبل أو الآليات الدستورية أو السياسية الممكنة التي تسمح لنا بالمرور إلى مرحلة الاختيار بين الحلول المناسبة، وذلك في ظل المطالب الشعبية برحيل جميع رموز النظام، لاسيما رئيس الدولة والحكومة الحالية، وتمسك كل من السلطة السياسية الانتقالية والمؤسسة العسكرية بالحل الدستوري.
كما أن الإشكال ليس في الدستور ذاته ولا في نص المادة 102 منه، إنما في الظروف التي طبقت فيه، والتي اتسمت بخرقه المتكرر من قبل السلطة الحاكمة التي كان يرأسها بوتفليقة، وتماطل هذا الأخير والمؤسسات الدستورية الأخرى في تقرير الحلول الدستورية المناسبة قبل استقالة الرئيس السابق، هذا من جهة، وكذا في المطالب الشعبية المرتبطة بتغيير منظومة الحكم، والتي لم يستطع نص المادة 102 استيعابها، من جهة أخرى.
إن تفعيل نص المادة 102 من الدستور، في ظل الظروف السابقة، أدت إلى كبح أهم المطالب الشعبية وتكبيل كل من رئيس الدولة وقيادة الأركان. فاستمرار السلطة الانتقالية الحالية المفروضة دستوريا يمنع تجسيد أي بديل سياسي لتسيير المرحلة الانتقالية، كتنصيب مجلس رئاسي انتقالي أو مجلس تأسيسي، ولا يمكن تصور أي حل دستوري أخر خارج الحل الناتج عن تفعيل نص المادة 102، نظرا للحتميات الدستورية التي تفرضها المادة 104، والجيش بقيادة الأركان مقيّد بنص المادة 28 من الدستور. فلا يمكن دستوريا لرئيس الدولة اقتراح خريطة طريق أخرى حتى لو أراد ذلك، وليس للجيش التدخل في العملية السياسية لاقتراح أي حل سياسي في ظل وجود مؤسسة دستورية انتقالية تشرف على تسيير البلاد، حتى وإن كانت هذه المؤسسة الانتقالية فاقدة للشرعية الشعبية.
وكل خروج من رئيس الدولة عن قيود المادة 104، كما أن كل تدخل مباشر من قيادة الأركان في العملية السياسية، يعني التعدي على الدستور، وهما اللذان تمسكا بضرورة عدم الخروج عنه.
ونظرا لغياب أي حل دستوري خارج المادة 102، واستمرار الرفض الشعبي لمخرجاتها، وبسبب عدم إمكان دستوريا طرح أي بديل سياسي مع وجود مؤسسة دستورية انتقالية، فإن الاستمرار في هذا الطريق سيؤدي إلى تأزم الوضع أكثر والدوران في حلقة مفرغة وما ينتج عنه من مخاطر سياسية واقتصادية على البلاد والعباد، بحكم الفراغ المؤسساتي (رئاسة الدولة) والدستوري الذي سينتج عن احتمال عدم إجراء الانتخابات الرئاسية المقررة ليوم 4 جويلية 2019.
فربحا للوقت يقتضي أن نختار القيام الآن بما سنضطر القيام به بعد 4 جويلية، وهو:
إحداث فراغ على مستوى رئاسة الدولة( استقالة رئيس الدولة بن صالح)، بحكم فقدانه للشرعية الشعبية، ونزولا عند رغبة المطالب الشعبية.
هذا الفراغ من شأنه أن يسمح لمؤسسة الجيش الوطني الشعبي، باعتبارها المؤسسة الدستورية الوحيدة التي تتمتع بتضامن الشعب وثقته، أن تتدخل، في إطار صلاحياتها الدستورية والتزاما بمبادئ الجمهورية، لمرافقة عملية انتخاب مجلس رئاسي انتقالي.
إن تدخل مؤسسة الجيش لا يكون مشروعا ومبررا إلا في حالة وجود شغور رئاسة الدولة وفراغ دستوري يمنع سد هذا الشغور، وما يترتب عن ذلك من خطر على وحدة البلاد والسيادة الوطنية، كما لا يكون هذا التدخل شرعيا ومقبولا إلا إذا كان يشكل معبرا آمنا وضامنا صادقا للانتقال من حالة الفراغ المؤسساتي والدستوري إلى سيادة الإرادة الشعبية، وذلك من خلال مرافقة الشعب لاختيار ممثليه في المؤسسة الانتقالية التي ستغطي هذا الفراغ.
أما المرحلة التي تستغرق فيها العملية، أي بداية من شغور منصب رئيس الدولة وانتخاب هيئة انتقالية، والتي لا ينبغي أن تتجاوز 60 يوما، فيتولاها استثناء الرجل الثالث في الدولة وهو رئيس المجلس الدستوري، وهذا التولي هو مجرد حل سياسي مؤقت يفرضه شغور رئاسة الدولة، ولا يستند لآلية دستورية. حيث يجتمع المجلس الأعلى للأمن باعتباره المؤسسة الدستورية التي تضم في عضويتها سلطات المؤسسات الدستورية الأخرى القائمة، بناء على إعلان المجلس الدستوري بثبوت شغور رئاسة الدولة ووجود فراغ دستوري بعدم النص على حالة استقالة رئيس الدولة المعيّن بناء على نص المادة 102 من الدستور، وعلى أساس ذلك يعلن المجلس الأعلى للأمن تنصيب رئيس المجلس الدستوري كرئيس دولة لفترة لا تتجاوز 60 يوما ينظم خلالها استفتاء على الهيئة الانتقالية (مجلس رئاسي انتقالي سيّد).
يضم هذا المجلس الرئاسي خمس (5) شخصيات وطنية ذات مصداقية ومقبولة لدى الشعب، ونظرا لاستحالة حصول كل شخصية على حدا على إجماع فإن التصويت يتم على القائمة، وهو ما يسمح لكل واحد منا من قبول القائمة بحكم وجود فيها لشخصية أو أكثر مقبولة عند كل واحد منا، ومتنازلا عن التحفظ الذي يمكن أن يبديه على شخصية أخرى في نفس القائمة.
يمكن أن تضم هذه القائمة كل من؛ أحمد بن بيتور لخبرته الاقتصادية، وعبد العزيز رحابي لحنكته الدبلوماسية، واليامين زروال لخبرته الرئاسية والعسكرية، ومصطفى بوشاشي لإسهامه القانوني، وجميلة بوحيرد لأصالتها التاريخية.
إن خيار الاستفتاء سيؤكد قبول الشعب للشخصيات التي تشكل الهيئة الانتقالية، ويضفي الشرعية اللازمة على هذه الهيئة للاضطلاع بمهامها في المرحلة الانتقالية، باعتبارها ممثلة للسّيادة الشعبيّة، ودون هذا الاستفتاء سنكون قد جسدنا المبادئ الدستورية المقررة في المادتين 7 و 8 تجسيدا خاطئا.
يتكفل المجلس الرئاسي الانتقالي المنتخب لاتخاذ ما يراه مناسبا من إجراءات قصد توفير الضمانات الكفيلة بحماية اختيار الشعب وإرادته، كخطوة أولى نحو التحقيق التدريجي لكل مطالبه المشروعة.
ونقترح في هذا الإطار خيارين يمكن لهذا المجلس اعتماد أحدهما: