د. عباس فريد أستاذ محاضر، كلية الحقوق، جامعة بومرداس
جاء في خطاب نائب وزير الدفاع وقائد الأركان، بمناسبة زيارة عمل وتفتيش إلى الناحية العسكرية الرابعة بتاريخ 27/ 03/ 2019، مايلي؛ " ... وبغية حماية بلادنا من أي وضع قد لا تحمد عقباه، يتعين على الجميع العمل بوطنية ونكران الذات وتغليب المصلحة العليا للوطن، من أجل إيجاد حل للخروج من الأزمة، حالا، حل يندرج حصرا في الإطار الدستوري، الذي يعد الضمانة الوحيدة للحفاظ على وضع سياسي مستقر.
وفي هذا السياق يتعين، بل يجب تبني حل يكفل الخروج من الأزمة، ويستجيب للمطالب المشروعة للشعب الجزائري، وهو الحل الذي يضمن احترام أحكام الدستور واستمرارية سيادة الدولة، حل من شأنه تحقيق توافق رؤى الجميع ويكون مقبولا من كافة الأطراف، وهو الحل المنصوص عليه في الدستور في مادته 102."
بهذه الجملة الأخيرة؛ "وهو الحل المنصوص عليه في الدستور في مادته 102" يكون قائد الأركان قد ارتكب خطاء استراتيجيا مزدوجا؛ خطأ دستوري وخطأ سياسي.
أولا: الخطأ الدستوري:
إن حديث قايد صالح عن ضرورة تبني الحل المنصوص عليه في المادة 102 من الدستور يعد خرقا صريحا لأحكام الدستور وتجاوزا لصلاحياته الدستورية.
فطبقا للدستور الجزائري يتولى الجيش الوطني الشعبيّ سليل جيش التحرير الوطني مهامه الدستوريّة المرتبطة بالحفاظ على البلاد من كل خطر أجنبيّ وحماية المواطنين والمؤسّسات والممتلكات من الإرهاب، والحفاظ على الاستقلال الوطني، والدفاع عن السيّادة الوطنيّة، ووحدة البلاد وحرمتها الترابية، وحماية مجالها البري والجوي والبحري ( المادة 28 من دستور 2016).
إن حماية الدستور يقع على عاتق مؤسسات الدولة التي اختارها الشعب، وهي المجلس الدستوري الذي يسهر على احترامه طبقا لما نصت عليه المادة 182 من الدستور، ويبقى الشعب، مثلما جاء في الفقرة الأخيرة من ديباجة الدستور الجزائري، أحسن ضمان لاحترام مبادئ هذا الدستور، وذلك من خلال تضحياته وإحساسه بالمسؤوليّات وتمسكه العريق بالحريّة والعدالة الاجتماعيّة.
أما مؤسسة الجيش فلا يجوز لها التدخل مباشرة للتأثير في الحياة السياسيّة، أو أن تحل محل المؤسسات الدستورية القائمة، فهي كغيرها من المؤسسات تتدخل في حدود مهامها الدستورية. وفيما يتعلق بالشأن السياسي فإن الجيش لا يتدخل إلا بطريقة غير مباشرة وعند توفر ثلاثة (3) شروط هي:
الشرط الأول: التدخل في إطار مضمون وفحوى المادة 28 من الدستور الشرط الثاني: تخلف المؤسسات الدستورية القائمة في الاضطلاع بمهامها وصلاحياتها الدستورية الشرط الثالث: أن يكون الموقف السلبي للمؤسسات الدستورية يشكل خطرا على السيادة الوطنيّة
لذلك يقتضي أن يكون تدخل الجيش، فيما يتعلق بالأزمة السياسية الجزائرية الحالية، في حدود صلاحياته الدستوريّة، من خلال الحث على تفعيل المؤسّسات الدستوريّة القائمة التي اختارها الشعب، وهي المجلس الدستوري والبرلمان اللذين عليهما الاضطلاع بمهامهما المرتبطة بإثبات شغور رئاسة الجمهوريّة، وتولي مهام رئاسة الدولة قصد التحضير للانتخابات الرئاسية، مثلما تنص عليه المادة 102 من الدستور، وذلك لتفادي الفراغ الدستوري ومخاطره على استقرار البلاد.
فلما يتدخل الجيش بهذا الشكل لحماية الشعب ومؤسّساته الجمهوريّة يكون قد حمى السيادة الوطنيّة، التي هي ملك للشعب، والتي يمارسها عن طريق مؤسّساته، مثلما جاء في نص المادتين 7 و 8 من الدستور.
غير أنه ليس للجيش أن يملي على هذه المؤسسات الدستورية القائمة القرار الذي ينبغي أن تتخذه، فلم يكن له الصلاحية الدستورية بأن يطلب تفعيل نص المادة 102 من الدستور، فهذه الجملة بالذات هي التي أخرجت المؤسّسة العسكريّة على الإطار الدستوري، وتدخلت بطريقة غير مشروعة في الصلاحيات الحصرية للمجلس الدستوري والبرلمان.
كان ينبغي لقائد الأركان، حتى يبقى في الإطار الدستوري، أن يكتفي بحث ودعوة هذه المؤسسات الدستورية على الاضطلاع بمهامها الدستورية، دون الإملاء عليها أو فرض عليها حلا دستوريا معينا. فيرجع لهذه المؤسسات، اختيار أفضل الحلول التي تراها مناسبة من الناحية القانونية والسياسية، للخروج من الأزمة، وليس بالضرورة تفعيل نص المادة 102 من الدستور، حيث هناك حلول دستورية أخرى.
فما هي الحلول الدستوريّة الأخرى الممكنة؟
إن تفعيل نص المادة 102، في شقها الخاص بإثبات الشغور لسبب صحي، غير ضروري الآن ، نظرا للشروط والإجراءات التي تستلزمها هذه الحالة، حيث يتطلب انتظار استمرار المانع لرئيس الجمهورية مدة 45 يوما قبل إعلان المجلس الدستوري الشغور بالاستقالة وجوبا، والوضع الحالي لا يسمح بذلك باعتبار أن عهدة رئيس الجمهورية بقي لها أقل من 45 يوما.
لذلك من الأحسن انتظار تاريخ 28 أفريل لتفعيل نص المادة 102 في شقها المتعلق بإثبات الشغور لرئاسة الجمهورية بالاستقالة وجوبا، لانتهاء العهدة القانونية للرئيس.
يمكن للمجلس الدستوري، كفرضية ثانية، وبناء على قواعد الإخطار المنصوص عليها في المادة 187 من الدستور، أن يقرر بعدم دستورية المرسوم الرئاسي الذي سحب بموجبه رئيس الجمهورية المرسوم المتضمن استدعاء الهيئة الناخبة لانتخاب رئيس الجمهورية، وسيقوم المجلس الدستوري، نتيجة لذلك، بتثبيت إجراء الانتخابات الرئاسية في أجلها، أي يوم 18 أفريل 2019، وبالفصل في ملفات الترشيحات، مع رفض ملف المترشح عبد العزيز بوتفليقة لسبب صحي، أو قيامه هو شخصيا بسحبه.
يمكن لرئيس الجمهورية، كحل دستوري بديل، أن يستفتي الشعب حول المؤسسة الانتقالية التي ستتولى الإشراف على المرحلة الانتقالية بعد انتهاء عهدته الرئاسية، وذلك بالاستناد لنص المادتين7 و 8 من الدستور. ( راجع في تفاصيل هذه الحلول مساهمتنا المعنونة " المخارج الدستورية للأزمة السياسية الجزائرية والمنشورة في الموقع: www.algerielibre.org)
ثانيا: الخطأ السياسي:
يشكل طلب قائد الأركان من المؤسسات الدستورية تفعيل نص المادة 102 من الدستور، دون الحلول الدستورية الأخرى الممكنة، خطأ سياسيا، من حيث أنه يؤدي إلى الالتفاف على المطالب الشعبية، وما يترتب عنه من إمكانية اهتزاز الثقة والتضامن، اللذين تولدا خلال المسيرات الشعبية السلمية، بين الشعب وجيشه الوطني الشعبي، فهو يمس بشعار " جيش شعب خاوة خاوة" الذي رفعه الشعب.
إن تطبيق نص المادة 102، وإن كان سيحل الأزمة الدستورية مؤقتا، فإنه لا يحل الأزمة السياسية المرتبطة بتغيير النظام، حيث سينسف لا محالة مطلب تغيير النظام الذي يطالب به الشعب، وذلك للحتميات أو للأسباب الدستورية التي فرضتها المادة 104 من الدستور، والمتمثلة فيما يلي:
- تولّي رئيس مجلس الأمّة مهام رئيس الدّولة مدّة أقصاها تسعون ( 90) يوما ( بعد مدة 45 يوما كرئيس دولة بالنيابة)، ولا يجوز دستوريا تعيين شخص أخر، ما عدا رئيس المجلس الدستوري في حالة شغور رئاسة مجلس الأمة. فلا يمكن مثلا تعيين شخصية وطنية مستقلة كرئيس دولة بدلا من " بن صالح" أو "بلعيز"، فهذين الشخصين هما حتمية دستورية.
- استمرار الحكومة القائمة في ممارسة مهامها، فليس لرئيس الدولة تعيين حكومة جديدة، أو تعديل أو إقالة الحكومة القائمة. فلا يمكن بالتالي تعيين حكومة كفاءات، خاصة وأن الحكومة الحالية لا تزال قائمة قانونا رغم استقالة الوزير الأول. فهذه الحكومة هي التي ستنظم الانتخابات الرئاسية المقبلة.
- بقاء جميع المؤسسات الدستورية على حالها ( البرلمان، المجلس الدستوري) فليس لرئيس الدولة حل المجلس الشعبي الوطني أو إجراء انتخابات تشريعية مسبقة أو تغيير تشكيلة المجلس الدستوري، فهذا الأخير هو الذي سيسهر على صحة نتائج الانتخابات الرئاسية المقبلة.
- لا يجوز لرئيس الدولة المبادرة بالتعديل الدستوري
- ليس لرئيس الدولة استفتاء الشعب حول القضايا ذات الأهمية الوطنية
- ليس لرئيس الدولة التشريع بالأوامر
- لا يمكن لرئيس الدولة أن يقرر تغيير النظام القانوني للهيئة العليا المستقلة لمراقبة الانتخابات، لأنها منشاة بموجب الدستور ( المادة 194).
- قيام رئيس الدولة باستدعاء الهيئة الناخبة للانتخاب رئيس الجمهورية قبل 31 جويلية 2019 ، فليس له أن يقرر إجراءات المرحلة انتقالية، قصد تفعيل نص المادة 7 من الدستور، التي تجعل من الشعب مصدر كل سلطة، إلا بموجب إجراء الانتخابات الرئاسية، فالمادتين 7 و 102 لا تلتقيان دستوريا إلا بتنظيم الانتخابات الرئاسية، إذا توفرت فيها معايير الشفافية والنزاهة.
المفارقة العجيبة:
إن الغريب والمفارقة العجيبة في الأزمة السياسيّة والدستوريّة الجزائريّة هو أن الحل السياسيّ الذي اقترحه بوتفليقة في خريطة طريقه، وإن كان خارج الأطر الدستورية لربطها بالتمديد للعهدة، فهو يستجيب لحد كبير ــ بعيدا عن النوايا ــ للمطالب الشعبية بتغيير النظام، العقبة فيه أنه جاء متأخرا كثيرا وبعد أن فقد الشعب الثقة فيه.
أما الحل الدستوريّ الذي اقترحه قائد الأركان، فهو وإن كان يتوافق مع الدستور، ويحل الأزمة الدستورية مؤقتا، إلا أنه ــ بعيدا عن النوايا ــ لا يستجيب للمطالب الشعبية بتغيير النظام للأسباب التي بينتها أعلاه. لاسيّما وأن قائد الأركان لم يبيّن للشعب الجزائري كيف يمكن لتفعيل المادة 102 أن يحقق مطلبه بتغيير النظام ضمن الأطر الدستورية !!؟؟.
النتيجة:
إن الحل الذي يكفل الخروج من الأزمة، ويستجيب للمطالب المشروعة للشعب الجزائري، ويضمن احترام أحكام الدستور واستمرارية سيادة الشعب والدولة، هو الحل الذي يقتضي أن يأتي أو تتبناه السلطة الحاكمة ذاتها، من خلال وضع ميكانيزمات تفعيل المواد 7 و8 و9 من الدستور، والتي تقرر مجموعة من المبادئ هي:
ـ الشّعب مصدر كلّ سلطة والسّيادة الوطنيّة ملك للشّعب وحده.
ـ السّلطة التّأسيسيّة ملك للشّعب ويمارس سيادته بواسطة المؤسّسات الدّستوريّة الّتي يختارها.
ـ يمارس الشّعب هذه السّيادة أيضا عن طريق الاستفتاء وبواسطة ممثّليه المنتخَبين.
ـ لرئيس الجمهوريّة أن يلتجئ إلى إرادة الشّعب مباشرة.
تجسيد هذه المواد يكون بالشكل التالي:
قيام رئيس الجمهورية، قبل انتهاء عهدته الرئاسية في 28 أفريل 2019، باستفتاء الشعب حول المؤسسة الانتقالية التي ستتولى الإشراف على المرحلة الانتقالية، مجلس رئاسي مثلا يتكون من شخصيات وطنية نزيهة وذات مصداقية لدى الشعب.
إن الغرض من هذا الاستفتاء هو إضفاء الشرعية اللازمة على المجلس للاضطلاع بمهامه في المرحلة الانتقالية، باعتباره ممثلا للسّيادة الشعبيّة.
كما أن نجاح أي مبادرة سياسيّة مرهون بقبولها من طرف الشعب.
وكلا الشرطين يمكن تحقيقهما إذا توفرت الإرادة السياسيّة لدى جميع الأطراف والأطياف، وتم تغليب المصلحة العليا للبلاد على المصالح الشخصية. ( راجع في تفاصيل هذا الاقتراح مساهمتنا المعنونة " المخارج الدستورية للأزمة السياسية الجزائرية والمنشورة في الموقع: www.algerielibre.org).