د. عباس فريد أستاذ محاضر، كلية الحقوق، جامعة بومرداس
لقد تلقيت كأيّ مواطن جزائريّ بيانكم الأخير، والذي عبّرتم فيه عن تأييدكم التام لمطالب الشعب الجزائريّ وتطلّعاته المشروعة، لاسيّما تطبيق المادتين 7 و 8 من الدستور، كما أكدتم على ضرورة تفعيل نص المادة 102 من الدستور، وتعهدتم فيه على أنكم ستقفون مع الشعب حتى تتحقق مطالبه كاملة غير منقوصة، و مثل هذه التصريحات التاريخية، لا محال ستقوي روابط الثقة والتضامن بين الشعب وجيشه.
إن دور مؤسّسة الجيش الوطني الشعبي، كما أكدّتم عليه في العديد من خطاباتكم، يخضع في إطار دولة القانون، إلى الدستور، القانون الأساسي للجمهورية، وإن دفاعها عن السيادة الوطنيّة طبقا للمادة 28 من الدستور، هو بمثابة دفاع عن الشعب باعتباره المالك الوحيد لهذه السيادة، مثلما تؤكده المادة 7 من الدستور، وهو في نفس الوقت دفاع عن المؤسسات الدستورية التي اختارها الشعب لممارسة هذه السيادة، مثلما جاء في المادة 8 من الدستور.
إذا كنت أثمن عزمكم ونيّتكم في جعل مؤسّسة الجيش ملتزمة بمهامها الدستوريّة، وأنا من المدافعين دائما مثلكم عن الحلول في إطار الدستور، فإن تمسككم بتفعيل المادة 102 من الدستور، لا يمكن أن يحقق بذاته المطلب الشعبي بتغيير النظام، نظرا للحتميّات الدستورية التي تفرضها المادة 104 من الدستور. فإذا بقينا في الإطار الدستوري، مثلما تؤكدون عليه، فإن نتيجة تطبيق هذه المادة هو انسحاب بوتفليقة من الحكم وتسليم السلطة مؤقتا لنفس الشخصيات والمؤسسات القائمة في عهده، وليس من الصلاحيات الدستوريّة لهذه المؤسّسات الاستجابة للمطالب الشعبية، إنما مهمتها الوحيدة دستوريا هي تنظيم الانتخابات الرئاسية المقبلة.
أما قولكم كذلك بتطبيق نص المادتين 7 و8 من الدستور، وربطهما بالمادة 102، فإن ذلك يحتاج إلى توضيح من قبلكم لكيفية تجسيد ذلك من الناحية الدستوريّة. إن التجسيد الدستوري الوحيد الذي ينتج عن تطبيق المادتين 7 و 8 من خلال إقرانها بتفعيل المادة 102 هو الانتخابات الرئاسية المقبلة التي ستنظم خلال 90 يوما من تفعيل هذه المادة الأخيرة. يمكن أن يكون هذا حلا للأزمة لو لم تكن الهيئات التي ستشرف على هذه الانتخابات هي نفسها التي أشرفت على الانتخابات السابقة، ولو لم تكن نفس المنظومة القانونية التي سنتها السلطة الحاكمة هي التي ستحكم هذه الانتخابات.
وباعتبار أن الشعب الجزائري، من خلال المسيرات السلمية المتعاقبة، قد نزع الشرعية عن المؤسّسات السياسيّة القائمة في الدولة، فإن استمرارها اليوم لم يعد يستند لأي شرعية، مما يتطلب الانتقال، في أقرب الآجال، إلى انتخاب مؤسّسات بديلة تحظى بثقة الشعب.
ولكون أن المؤسّسة الدستوريّة الوحيدة التي لا تزال تحظى اليوم بثقة وتضامن الشعب الجزائري هي مؤسسة الجيش الوطني الشعبي سليل جيش التحرير، ونظرا لواجباتها الدستورية في حماية السيادة الوطنية ووحدة البلاد، ولكونكم تعهدتم بالوقوف مع الشعب حتى تتحقق مطالبه كاملة غير منقوصة، وباعتبار أن صوت الشعب لا يعبر عنه حاليا إلا الشعب ذاته، فإن مرافقة الشعب الجزائري لممارسة هذه السيادة، بناء على المادتين 7 و 8 من الدستور، لا يكون إلا ضمن إطار دستوري أخر ألا وهو اللجوء إلى الشعب في أول لبنة من لبنات المرحلة الانتقالية، من خلال استفتائه حول الهيئة السياسيّة الانتقالية التي ستسعى تدريجيا وفي أقرب الآجال لتحقيق مطالبه المشروعة.
يمكن أن تتجسد هذه الهيئة الانتقالية في انتخاب مجلس رئاسي انتقالي متكون من 5 إلى 7 شخصيات وطنية تتمتع بنزاهة وبثقة الشعب، حيث يتولى هذا المجلس الذي وافق عليه الشعب بموجب استفتاء يجرى في أقرب الآجال، مهام رئاسة الدولة في المرحلة الانتقالية، والغرض من هذا الاستفتاء هو إضفاء الشرعية اللازمة على المجلس للاضطلاع بمهامه في المرحلة الانتقالية، باعتباره ممثلا للسّيادة الشعبيّة.
وكل هيئة انتقالية تعيّن خارج الإرادة الشعبية ودون أن تستند للشرعية الشعبية فهي انطلاقة خاطئة لتجسيد السيادة الشعبية وبناء جمهورية ديمقراطية جديدة.
تلكم هي رغبتي وأملي كمواطن جزائري يعتزّ ويفتخر بالانتماء لهذا الوطن ولهذا الشعب المسالم والتوّاق للحريّة ولتقرير مصيره بنفسه.